الاقتصادي

البنك الدولي وصندوق النقد:

معايير شرع الغاب في الاقتصاد العالمي

كتب/ محمد محمد أحمد الانسي-خبير اقتصادي

يفترض كثيرون أن الفجوة الاقتصادية بين ما يسمى جنوب العالم وشماله (أمريكا، أوروبا الغربية) قد تقلصت خلال العقود الأخيرة، خاصة بعد نهاية الاستعمار. لكن الواقع عكس ذلك تمامًا: فقد تضاعفت فجوة دخل الفرد بين تلك الدول أربع مرات منذ عام 1960، في نمط صارخ من التفاوت لا يمكن تجاهله.
وتُعزى هذه الفجوة جزئيًا إلى اختلال هائل في توازن القوى العالمية. فالولايات المتحدة وأوروبا، التي تسمي نفسها بالدول الغنية! تمتلك نفوذ غير متناسب في وضع قواعد التجارة والتمويل الدولية، على حساب مصالح الشعوب المستهدفة في الدول التي تسمى زوراً بالدول (النامية) وهي البلدان ذات الثروات والموارد الكبرى.
هذا النفوذ يبرز بشكل واضح عبر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهما المؤسستان الرئيسيتان اللتان تتحكمان في السياسة الاقتصادية العالمية.

هيمنة قوى النهب والتمويل الربوي
رغم أن التمثيل في هذه المؤسسات يُفترض أن يكون ديمقراطيًا، أو على الأقل قائمًا على عدد السكان، إلا أن الواقع مختلف تمامًا. فالرؤساء لا يُنتخبون؛ بل تُرشحهم الولايات المتحدة وأوروبا، حيث يقتصر التقليد على أن يكون رئيس البنك الدولي أمريكيًا، ورئيس صندوق النقد الدولي أوروبيًا.
قوة التصويت في هذه المؤسسات مائلة بشدة لصالح دول “الشركات” إن صح التعبير فأمريكا لوحدها تملك عمليًا حق النقض على القرارات المهمة، وتسيطر إلى جانب دول ما يسمى بمجموعة السبع والاتحاد الأوروبي، على أكثر من نصف الأصوات، في حين أن الدول التي تسمى “متوسطة ومنخفضة الدخل” التي تمثل نحو 85% من سكان العالم، لا تمتلك إلا حصة صغيرة جداً في هذه المؤسسات المهمة في رسم السياسات الاقتصادية والتجارية.

إذا نظرنا إلى قوة التصويت بالنسبة للفرد، نجد تفاوتًا مروعًا: مقابل كل صوت يحصل عليه المواطن في الشمال، يحصل المواطن في الدول المستهدفة (المنبطحة) على ثُمن الصوت فقط، وفي جنوب آسيا يصل الأمر إلى صوت واحد مقابل عشرين صوتًا لمواطن في دول الشركات التي تسمي نفسها دول الشمال أو الدول (الغنية).

الفصل العنصري الاقتصادي
الاختلالات لا تتوقف عند المستوى الجغرافي أو الاقتصادي، بل تتخطاها إلى المستوى العرقي. في المتوسط، لا تُعادل أصوات الشعوب الأفريقية سوى جزء ضئيل من أصوات نظرائهم في دول الشركات (الغنية)، وهو ما يشبه “الفصل العنصري” إذا تم تطبيقه داخليًا في أي دولة، ومن المؤسف انه أصبح مقبولًا في صميم الحوكمة الاقتصادية الدولية.
على سبيل المثال، في صندوق النقد الدولي، يساوي صوت البريطاني اليوم 41 ضعف صوت البنغلاديشي.
و23 ضعف صوت النيجيري، رغم أن كلا البلدين كانا مستعمرتين بريطانيتين.

جذور هذا الظلم الاستعماري
تعود جذور هذه التفاوتات إلى الحقبة الاحتلال العسكري للغرب، وتم تغيير آليات الاحتلال بعد الحرب العالمية الثانية لتصبح الأدوات الرئيسية في الهيمنة والنهب هي النظام المالي النقدي والكيانات الأممية التابعة له التي تم إنشاؤها في نفس غرف بريتون وودز عام 1944م.
فالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي تأسسا في نفس العام الذي تمت فيه اتفاقية النقد العالمية الأممية 1944 كامتداد لنظام استعماري سابق، واستمرت هياكلهما الرئيسية محافظة على هذا الطابع. إذ تُحدّد القوة التصويتية في البنك الدولي وفقًا للحصص المالية لكل دولة، وفي صندوق النقد الدولي وفقًا للناتج المحلي الإجمالي مع مراعاة “انفتاح السوق”

التبريرات
يدافع المدافعون عن النظام القائم بأن الاقتصادات الأكبر تستحق سلطة أكبر في القرارات الاقتصادية العالمية. لكن هذه الحجة تتجاهل حقيقة ان قوة اقتصاد الدول/الشركات القوية يعتمد على النهب الاستعماري من الدول الغنية-النامية وثمة تداعيات لاستمرار هذه الهيمنة، وهو ما يُعتبر فسادًا أخلاقيًا واقتصادياً لهو عواقب حتى على قوى النهب نفسها.

الآثار الكارثية للهيمنة الاقتصادية
توضح الاختلالات السابقة سبب قدرة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على فرض ما يسمى ببرامج التكيف الهيكلي النيوليبرالية على الدول الغنية-النامية التي تسمى دول الجنوب العالمي خلال الأربعين عامًا الماضية. تلك البرامج ركزت على الخصخصة وفتح الأسواق أمام منتجات الشركات العالمية والوكلاء التابعين لها، وفرضت استيراد الغذاء بعد سياسات تدميرية للاكتفاء الذاتي فتمكن الدولار من التحرك وتوزيع تضخمه وحققت أرباحًا هائلة للشركات متعددة الجنسيات، لكنها ألحقت أضرارًا جسيمة بشعوب تلك البلدان أبرزها انخفاض القدرة الشرائية وتراجع مستوى الدخل، وارتفاع معدلات الفقر، الركود الاقتصادي، ونتائج صحية كارثية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى