مشاكل العالم -لماذا الإسلام هو الحل الوحيد؟!
كتب محمد محمد أحمد الانسي -باحث في الشؤون الاقتصادية
لقد جرّبت البشرية كل الأنظمة والقوانين البشرية؛ وتبين أنها فشلت في تحقيق الخدمة التي يحتاجها الإنسان وتعثرت أمام مشاكل الشعوب والمجتمعات دون حلها.!!
إنّ رؤية الإسلام ونظامه وتشريعاته كلها متميزة عن غيرها بالواقعية، فهي تقوم على مبادئ وقيم العدالة والمبادئ الأخلاقية الإنسانية؛ لأنها صادرة عن العليم الخبير الذي خلق الانسان والحياة والكون والنعم واحاط بكل شؤون البشرية علما -سبحانه وتعالى-
ولا مقارنة بين تشريعات رب العالمين-سبحانه وتعالى- وبين الأنظمة والقوانين التي عرفتها البشرية وجربتها كلها وتوصلت إلى قناعة بأنها فاشلة وعاجزة عن حل مشاكل الإنسان وقاصرة غير قادرة على تنظيم أمور حياة البشرية بالشكل المطلوب الذي يراعي العدالة والكرامة الإنسانية؛ لأن الأنظمة والقوانين البشرية كلها مرتبطة بمصالح شركات وقوى وتكتلات اقتصادية وسياسية ضيقة بعيدة عن قيم العدالة ولا تراعي أي مبادئ تحقق الكرامة الإنسانية.
والإسلام وإطار الإيمان فيه هو النظام الوحيد القادر على التأثير الإيجابي في تربية الإنسان وتقويم سلوكه والارتقاء به وبتصرفاته إذ يستطيع التأثير الإيجابي على النفس البشرية فيؤهلها تربوياً وأخلاقياً.
كما يمتاز الإسلام وتشريعاته العظيمة بامتلاك الكثير من المقومات والتشريعات التي تحمي الحقوق وتمنع الظلم بين الناس.
ومشروع الإسلام يقوم على تحقيق الكرامة والعزة، ويتكفل بمحاربة الظالمين والتصدي للطواغيت والفاسدين.
كما يتبنى كل قيم الخير ويدعم كل مبادئ المروءة والإحسان والتراحم بين أبناء المجتمعات.
والرؤية الاقتصادية في الإسلام هي جزءٌ واحدٌ من نظام متكامل، وحلقة واحدة من سلسلة حلول مترابطة تشكل نظاماً للحياة في كل شؤونها.
ومن ناحية اقتصادية فإن التشريعات الإسلامية تركّزُ على توجيه الثروة نحو الإنتاج وتدفع بالأموال نحو التشغيل، وتتخذ مواقف رادعة أمام الاكتناز. وتشريعات الإسلام تحرّم كل أشكال الظلم والاحتيال في التعاملات التجارية والاقتصادية، وتمنع تراكم المال والثروات لصالح فئة محدودة من الناس؛ ولا تقبل أبداً بالاحتكار؛ وهنا تكمن أهم المبادئ الاقتصادية.
مميزات كبيرة وفريدة في النظام الإسلامي والتشريعات والضوابط لا توجد في غيره.
فإذا كانت القوانين البشرية لا تحمي المغلفين -كما هو معروف- فإن الإسلام العظيم يحمي حتى المغلفين من أي عمليات نصب واحتيال وغرر.
ومن هنا فإنّ الحل الوحيد هو في إطار دِينِ الإسلام، الذي جاء به كُلُ الرسل[1] صلوات الله عليهم؛ لما يمتلكه من مقومات مطلوبة ورؤية تستطيع التوفيق بين الدوافع والأطماع الشخصية وبين المصلحة الاجتماعية العامة، وهو الوسيلة الوحيدة التي تستطيع اقناع الإنسان والارتقاء بأخلاقه وتقويم سلوكه.
ومن المؤسف جداً أنّ النظام والرؤية التي قدمها الإسلام لم تُتح لها فرصة التطبيق بالشكل المطلوب لانحرافات حدثت منذ وفاة الرسول الأكرم صلوات الله عليه وآله.
ويحدث التشتيت والإغراق في كل فرصة، ابتداءً من فترة قيادة الإمام علي بن أبي طالب ــ سلام الله عليه ــ وما حدث من بعده مع قرناء القرآن إلى يومنا هذا، وبالرغم من هذا كله فثمة فوارق كبيرة وأثرٌ ملموس لا يقاس عليه بما يحدث في ظل قيادات أخرى من خارج أهل البيت عليهم السلام.
إنّ حدوث الانحراف عن الحق والزيغ عن هدى الله يمثل خسارة كبرى في حياة البشرية، ومن المؤسف حدوثه على الرغم من المبدأ القرآني الثابت بشأن ولاية الأمر {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[2]، {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}[3].
وفي ظل العديد من التوجيهات القرآنية والنبوية المشهودة عند الجميع، والكثير منها لا خلاف عليه بين المسلمين لتواترها وحدوثها بطريقة لا يستطيع أحد إنكارها.[4]
كما أن التفضيل والاصطفاء في ولاية الأمر، وربط الأمة بقرناء القرآن من ورثة الكتاب، ما هو إلا في إطار تكريم الله للإنسان، بمعنى آخر إنه لنا وليس علينا؛ إذ اختار لنا من البشر قيادات متميزة ونوعية راقية كل اهتماماتها تصب فيما يحقق العزة والكرامة للناس {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[5]، {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ}[6].
وعلى مر التأريخ لم نجد أي قيادة غير أهل البيت ــ عليهم السلام ــ كل اهتماماتها وأولوياتها في إطار ما يحقق الكرامة والهداية والتزكية والاستقامة والعزة والنصر للأمة الإسلامية وشعوبها.
وفي سبيل هذا الهدف الرفيع العالي قدّم الكثير من قرناء القرآن أنفسهم قرابين في ميادين الجهاد، دفاعاً عن الأمة وإحساناً إليها.
ومعلوم أن قرناء القرآن لا يشكلون خطراً على أحد، إلاّ على الظالمين المجرمين الطواغيت؛ لأن مصالحهم ومشاريعهم الإجرامية وإفسادهم تتقاطع مع أهل البيت ــ عليهم السلام ــ وهذا شيء إيجابي لا خلاف عليه.
ومن المؤسف أن يتمكن اليهود بقيادة أمريكا وإسرائيل من استخدام أبناء الأمة وثرواتها في مواجهة القيادات العظيمة المرتبط بها عزة الأمة وشرفها وكرامتها. إنهم نوعية أخرى مختلفة عن بقية قيادات العالم كله، هذا ما يشهد به الواقع على مر التأريخ، نوعية فريدة متميزة، ومن خلالهم تنعكس قيم القرآن ومبادئه ومواقفه ورؤاه في كافة مجالات الحياة.
وكل شعوب العالم اليوم في أمس الحاجة إلى الإسلام كدين ونظام حياة متكامل لا نقص فيه، فهو المنهج الذي لا يقبل بالضعف ولا الهوان ولا التقصير ولا الفشل في كل مجالات الحياة، وفي جميع جوانبها المدنية والأمنية والاقتصادية والعسكرية وغيرها.
يجب أن نعود إلى الإسلام الذي يحمل رؤية واقعية في كل شؤون الحياة، وعلى رأسها الشؤون الاقتصادية، بما يمتلكه من تشريعات عادلة تغطي كل العلاقات التجارية، وتشمل التوزيع والإنتاج وفي النمو والاستثمار بكافة مجالاته..
وبما أن الأنظمة البشرية والقوانين بمختلف أنواعها قد تم تجريبها وتبين عدم كفاءتها، وثمة إقرار من عقلاء في العالم بشأن كفاءة الإسلام وتميزه كنظام وحيد يمتلك رؤية وحلولاً حقيقية لكل إشكالات البشرية. *
*من كتاب المشكلة الاقتصادية (الأسباب والحلول) للباحث محمد محمد الانسي
الهوامش:
[1] تأكيداً لحقيقة أنّ الدين هو الإسلام الذي جاء به كل الأنبياء من المهم أن نذكر بعض المسلمين الذين يتجاهلون هذه الحقيقة بما يلي: قال الله الخالق العظيم سبحانه في كتابه الكريم: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ ــ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} سورة يونس: (الآيتان 71 ــ 72).
وقال الله رب العالمين: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ}. سورة الحج: (من الآية 78).
وقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}. سورة آل عمران: (من الآية 19).
وقال سبحانه: {مَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين}. سورة آل عمران: (الآية 85).
وقال تعالى في آية أخرى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. سورة الذاريات: (الآية 132).
وفي آية أخرى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ــ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. سورة الذاريات: (الآيتان 24 ــ 36).
وفي آية: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}. سورة البقرة: (الآية 133).
وقال الله في كتابه الكريم: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}. سورة آل عمران: (الآية 52).
وقال أيضاً: {إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}. سورة المائدة: (الآية 111).
[2] سورة المائدة: (الآية 55).
[3] سورة فاطر: (من الآية 32).
[4] الاكتفاء بالإشارة إليها لأنها معلومة ويعرفها الجميع، منها حديث الغدير والثقلين وما قال الرسول الأكرم صلوات الله عليه وآله في علي بن أبي طالب عليه السلام وأخرى، لا يسع المقام لذكرها هنا؛ لأن السياق والدراسة تتناول المشكلة الاقتصادية وحلولها.
[5] الشورى: (من الآية 23).
[6] سورة سبأ: (من الآية 47).