الاقتصادي

التشريعات التنظيمية في مجال العمل والإنتاج والتوزيع

كتب محمد محمد أحمد الانسي

إنّ كل التشريعات في الإسلام تساعد على النهوض الاقتصادي والتنموي، ومن أبرزها وأهمها ما يلي:

  1. تحريم الإسلام للربا والفائدة على القرض وإلغاء رؤوس الأموال الربوية، وأصحاب رؤوس الأموال بطبيعتهم يندفعون لتحقيق الربح والمكسب من أموالهم حين يكونوا في مجتمع يمنع الربا، وسيدفعون بأموالهم لاستثمارها في مشاريع وصناعات حقيقية ويكسبون من إنتاج حقيقي، إما بالاستثمار المباشر في مشروع صناعي أو معامل إنتاج أو من خلال إقراض مستثمر آخر «بدون فائدة»، وتصبح العملية مشاركة في الربح.
  2. وبكل الأحوال فإن منع الفائدة الربوية يدفع بالأموال نحو مشاريع صناعية وإنتاج حقيقي يعود بالفائدة على عدد كبير من المواطنين وعلى الدولة والمجتمع بشكل عام، حيث تتوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، ويتحقق دوران اقتصادي من الإنتاج الفعلي. وحرم الله التعامل بالربا لأنه يقوم على الظلم ويتسبب في تركيز الثروة في أيادي فئة محدودة من الناس {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ}[1]، وفي بيئة المجتمع الربوي ينتشر الفقر وتضعف القوة الشرائية للناس، وينعكس ذلك سلباً على الإنتاج بشكل مباشر.
  3. منع الإسلام اكتناز المال، ووضع عليه رسوماً زكوية ثابتة كل عام تعرضه للنقص لتدفع به نحو التشغيل، لأن تجميد الأموال وسحبها من التداول يؤدي إلى ضرر اقتصادي وتنموي في المجتمع، وبهذا فإن الإسلام يدفع برؤوس الأموال إلى المشاركة الإيجابية في مشاريع الإنتاج التي تعود بالفائدة على المجتمع، فيعجز الجمهور عن استهلاك ما يشبع حاجاتهم من السلع لانخفاض قوّته الشرائية، فتتكدّس المنتجات دون تصريف، ويسيطر الكساد على الصناعة والتجارة ويتوقّف الإنتاج.
  4. منع الإسلام الدولة من الاعتماد في مواردها على الجباية والاكتفاء بتحصيل الإيرادات كموارد للدولة؛ بل دعا لتنمية الموارد وحث على الاهتمام بالثروات وتحفيز رؤوس الأموال نحو العمل والإنتاج، وفي هذا الاتجاه ما يحمي الدولة من العجز في الميزانية فقد ورد في عهد الإمام علي (كرم اللَّه وجهه) لمالك الاشتر: «وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلاّ بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً».

ومن المعلوم أن الاعتماد على الرسوم الإيرادية من الضرائب والجمارك ينتج عنها رفع لأسعار السلع والمواد، وانخفاض للحركة والنشاط التجاري والاقتصادي؛ لأن التاجر يضطر لإضافة كل ما يفرض عليه من رسوم وغرامات في قيمة مبيعاته ويتحملها المواطن، ويترتب على ذلك حدوث معاناة وسخط وصعوبات في معيشة الناس، وينتهي هذا الإجراء بالتحول إلى تهديدات ومخاطر حقيقية أمام الاستقرار الداخلي.

  1. منع الإسلام تبديد الطاقات ونهى عن إهدار المال في الأعمال الضارة، وفي كل ما لا يعود بفائدة، ومنع التبذير، وشدد على اجتناب الأعمال المنحطة وعدم صرف الأموال فيها للحفاظ عليها كثروة ونعمة سخرها لنا لتسهم في التنمية والإنتاج، وموقف الإسلام معلوم من القمار وأكل المال بالباطل، قال الله رب العالمين سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[2]، وقال سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ}[3]، كما حرم اللهو والمجون لتأثيرها السلبي ودورها في تحويل الانسان إلى كائن غير منتج بل عنصراً مائعاً يشكل عالة على المجتمع.
  2. وضع الإسلام مبدأ للتكافل الاجتماعي، وألزم الدولة بمهام ومسؤوليات لتفعيل هذا المبدأ في برامج ضمان نظراً لأهميته ودوره في منح الفرد الفقير المنهار والغارم شعوراً بالطمأنينة في حال تعرض لخسارة وتراجع في مستواه، وهذا الشعور يحفز الفرد ويجعله صالحاً لأن يعود عنصراً منتجاً مرة أخرى مادامت الكفالة الاجتماعية تشمله، وبالتالي فإن لهذا المبدأ علاقة مهمة بالعمل والإنتاج، بينما تنتشر حالات الانتحار واليأس والإحباط في المجتمعات التي لا يوجد فيها برامج الضمان والكفالة الاجتماعية.
  3. منع الإسلام السيطرة على المساحات الكبيرة من الأرض بدون استثمارها وتفعيلها في الإنتاج، أو ما يسمى بالحمى[4]، فالدولة (ولي الأمر) ملزم بنزع الأرض من صاحبها إذا عطّلها وأهملها.
  4. وضع الإسلام شروطاً على صلاحية ولي الأمر «الدولة» في منح المواطن أرضاً؛ إذ جعلها الإسلام مشروطة ومحددة بالمساحة التي يستطيع المواطن إحياءها فقط.
  5. حرم الإسلام الكسب بلا عمل، ويدخل في هذا وحده قضايا وأشكال كثيرة، منها الكسب وتحصيل الفائدة من استثمار النقود في البنوك والاستثمارات الربوية التي تحقق الربح بدون عمل وبلا إنتاج، ومعظم استثمارات الرأسمالية الربوية تقوم على (خلق النقود من النقود) ولهذا تتعثر من حين لآخر مع كل دورة اقتصادية، ومنها استئجار أرض بمبلغ ثم تأجيره لشخص آخر بمبلغ أكبر.[5]
  6. قضى الإسلام بتوزيع المال بعد موت المالك على أقربائه وفقاً لتقسيم ثابت معلوم في القرآن الكريم، وهذا الإجراء من العوامل التي تدفع المال إلى التداول والدوران والإسهام في العمل والإنتاج.
  7. رسخ الإسلام العزة في الفرد والمجتمع، وهذا المبدأ يدفع الإنسان للعمل والإنتاج والعزوف عن الاستجداء وأخذ المال بدون مقابل.
  8. أوجب الإسلام على المسلمين تعلم الخبرات والمهارات في كافة ميادين الحياة بما يعزز الدور القيادي للأمة {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}[6]، وهذا المبدأ يدعم الإنتاج والعمل، ويعزز النمو، ويؤدي إلى بلوغ الدولة مكانة عالية من القوة الاقتصادية والعسكرية التي تحقق المنعة والحصانة والنصر والغلبة أمام العدو.
  9. النظام الإسلامي الاقتصادي جعل الدولة هي المسؤول الأول عن التخطيط المركزي وتوجيه رؤوس الأموال والإشراف على مشاريع العمل والإنتاج في القطاعين العام والخاص، وجعل من مهام الدولة التخطيط والعمل على تأهيل وإدارة القوى البشرية العاملة واستيعابها وتفعيلها في المشاريع الخدمية والإنتاجية العامة والخاصة، وحمّل الدولة المسؤولية عن حماية قطاع العمل والإنتاج الخاص من أي مخاطر وأضرار وخسائر تؤدي لتوقفه وتفكيكه.*

الهوامش

من كتاب المشكلة الاقتصادية للباحث محمد محمد الانسي

[1] سورة الحشر: (من الآية 7).

[2] سورة المائدة: (الآية 90).

[3] سورة البقرة: (من الآية 188).

[4] كتاب «اقتصادنا» للمفكر الإسلامي الشهيد (محمد باقر الصدر).

[5] المرجع السابق.

[6] سورة الأنفال: (من الآية 60).

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى